أعلنت مالي والنيجر وبوركينا فاسو مؤخرا عن تحالف جديد في منطقة الساحل، ووقعت اتفاقا للدفاع المشترك، وبموجب هذا الاتفاق المسمّى “ميثاق ليبتاغو غورما” تنشئ الأطراف المتعاهدة فيما بينها ما سمي “تحالف دول الساحل”.
وليبتاغو غورما هي المنطقة الحدودية الجامعة بين مالي، والنيجر، وبوركينافاسو، ومنها استمد الإعلان اسمه.
جاء التحالف الجديد في ظروف إقليمية معقدة تمر بها دول الساحل في غرب أفريقيا، حيث موجة الانقلابات، وخروج القوات الفرنسية، وتزايد النفوذ الروسي في المنطقة.
ومع إعلان موسكو عن تشكيل “الفيلق الأفريقي” عام 2024، برز الاهتمام من جديد بالتحالف المذكور، الذي يشكل نواة لتغييرات في موازين القوى الدولية الفاعلة في منطقة الساحل.
التقرير التالي يسلط الضوء على هذا التحالف وأهدافه ومستقبله:
ظروف النشأة
تأسس “تحالف دول الساحل” بعد التوقيع على “ميثاق ليبتاغو غورما” يوم 16 سبتمبر/أيلول 2023 في باماكو.
ورغم أن فكرة التحالف بين هذه الدول تعود لأعوام سابقة، فإنها برزت من جديد نتيجة سياقات وظروف مختلفة.
والسياقات التي أسهمت في تشكيل الحلف تتمثل في خروج القوات الفرنسية من الساحل، وتزايد وتيرة الانقلابات في المنطقة، وتنامي حركات التمرد، وتصاعد الهجمات المسلحة، وتزايد النفوذ الروسي، وتهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري في النيجر.
ووقوفا في وجه قوة مجموعة إيكواس، نصت المادة 6 من ميثاق التحالف على أن “كل استهداف لأمن وسيادة إحدى الدول الثلاث هو اعتداء عليها جميعا”.
وتزامن تشكيل الحلف الجديد مع خروج القوات الفرنسية التي كانت تعمل في هذه الدول منذ سنوات من أجل محاربة الجماعات المسلّحة والوقوف أمام نشوب النزاعات بين الطوائف العرقية المتنوعة في المنطقة.
الابتعاد عن فرنسا
وتتلاقى آراء القادة الجدد في الساحل عند ضرورة الابتعاد من فرنسا ومواصلة النضال من أجل التحرر وكتابة استقلال سياسي جديد.
وحول هذه الأفكار نصت ديباجة الميثاق على أنه “وفاء للمبادئ المشتركة والأخوة، من الضروري مواصلة النضالات البطولية التي تخوضها شعوبنا من أجل الاستقلال السياسي والكرامة الإنسانية والتحرر الاقتصادي”.
وفكرة تحالف الدول الثلاث تعود لسنة 2017، حين أعلنت هذه الدول إنشاء قوة مشتركة لمواجهة الحركات المسلحة، لكن هذا المشروع الدفاعي تعطل بعدما قرر تجمع دول الساحل الخمس تشكيل قوات مشتركة بدعم أوروبي وأميركي.
وكانت فرنسا وألمانيا عرضتا في يوليو/تموز 2017 فكرة إنشاء “تحالف الساحل” لتوحيد الجهود الدولية المشتركة وضم هذا التحالف 26 عضوا، وأقر تنفيذ ألف مشروع بميزانية تزيد على 20 مليار دولار.
وسرعان ما توقف هذا الحلف بسبب موجة الانقلابات التي بدأت في مالي عام 2021.
لكن “تحالف دول الساحل” يختلف في السياسات والدوافع عن تحالف الساحل، وعن مجموعة دول الساحل الخمس، لأن تلك التحالفات كانت وراءها فرنسا، وهي التي سوقتها دوليا، أما التحالف الجديد فينطلق من أفكار محلية، وهدفه الحماية الأمنية للدول الأعضاء وإبعاد النفوذ الفرنسي كنقطة أولى.
الأهداف والمبادئ
وحسب ميثاق الإعلان، فإن “تحالف دول الساحل” يقوم على جملة من الأهداف والمبادئ أهمها:
- إقامة منظومة دفاعية مشتركة بين البلدان، لها القدرة على خوض الحروب الدفاعية والهجمات الاستباقية لمنع مساس أمن الدول الأعضاء.
- التضامن الكامل بين الدول الأعضاء والاندماج العسكري بينها إذا تعرضت أي دولة لاعتداء.
- مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة في المنطقة المشتركة للحلف.
- العمل على منع التمرد والعنف المسلح في الدول الثلاث والتصدي له بالقوة المسلّحة إذا اقتضى الأمر.
- العمل من أجل توسيع الحلف، أمام الدول التي تشترك مع المجموعة في أهداف التحرر الاقتصادي والاستقلال السياسي.
مستقبل التحالف
وبين تلاشي مجموعة الدول الخمس في الساحل، وإعلان روسيا عن تشكيل “الفيلق الأفريقي” تزداد التكهنات والقراءات حول مستقبل “تحالف دول الساحل”.
وتتلخص التحليلات والقراءات بشأنه في اتجاهين: يتمثل الاتجاه الأول في نجاح الحلف وتوسعه، وهو الأكثر ترجيحا، خاصة مع إعلان روسيا تشكيل فيلق أفريقيا الذي سينتشر في منطقة الساحل، ويتخذ من ليبيا مقرا دائما.
ويبدو أن جولة نائب وزير الدفاع الروسي في ديسمبر/كانون الأول الماضي كانت لتهيئة الظروف أمام القوة الروسية.
كما سبق لمالي أن أبرمت عقودا عسكرية واقتصادية مع روسيا، أهمها التوقيع على اتفاقية بناء محطة لاستخراج الذهب في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وفي تعليق للجزيرة نت، قال الباحث المختص في الشأن الساحلي حمدي جوارا إن “جميع الدول العظمى تبحث عن النفوذ في المنطقة، وروسيا ليست استثناء، وربما تستخدم أوراقها الأفريقية لدعم هذا التحالف”.
وأضاف أن موسكو ودول التحالف كل منهما يخدم الآخر في تناغم واضح من دون ولاءات سياسية قد تضر مصالح الدول الساحلية.
ورجح أن التحالف سيستمر، لأن المنطقة تحتاج لرؤية مغايرة لما كانت تعمل عليه المنظمات القديمة في المنطقة، والتي عجزت عن تحقيق تطلعات الشعوب بسبب وقوفها مع الحكومات والأنظمة الفاسدة.
ويرى كثير من المراقبين أن التحالف الجديد قد ينجح ويستمر، لكنه لن يتوسع في المدى القريب إلا إذا توسّعت حركة الانقلابات، وجاءت حكومات جديدة تتبنّى رؤية جديدة للمنطقة مثلما عليه الحال عند حكومات “تحالف دول الساحل”.
أما الاتجاه الثاني، فيتمثل في فشل الحلف بسبب ما قد يحدث من التطورات السياسية، التي قد تأتي مع عودة المدنيين للسلطة، وتفرض عليهم التوازنات الجيوسياسية والإقليمية للعودة للتحالفات القديمة.