عندما ظهر المئات من مقاتلي حركة حماس وشرطتها إثر سريان اتفاق وقف إطلاق النار يجوبون شوارع غزة وهتف لهم سكانها بعد عام ونحو 4 أشهر من العدوان الإسرائيلي، كانت تلك المشاهد التي لم يردها بنيامين نتنياهو الذي أدار الحرب الوحشية ضد القطاع.
وكان ضمن الأهداف الرئيسية للحرب على غزة، التي وضعها مجلس الحرب الإسرائيلي إثر “طوفان الأقصى” وأقرها الكابنيت، تدمير المقاومة، التي تقودها حركة حماس حجر الزاوية، وارتبط هذا الهدف بتحطيم إرادة الغزيين قتلا وحصارا وتجويعا وتشريدا وتهجيرا، ومنعا لكل أسباب الحياة، لكن الحروب -بتضحياتها وآلامها- تحسب (كقاعدة عسكرية أساسية) بخواتيمها، كما يؤكد رئيس الموساد السابق تامير باردو.
ففي تعليقه عما وصفه بالفشل الإسرائيلي في غزة، استحضر باردو اليوم الأخير من حرب فيتنام، حين خاطب جنرال أميركي نظيره الفيتنامي في العاصمة سايغون قائلا “في كل الحرب، نحن لم نخسر في معركة واحدة”، ليرد عليه الضابط الفيتنامي “قد يكون هذا صحيحا، لكن في صباح يوم غد، أنتم سترحلون ونحن سنبقى”.
وأكد باردو -في حديثه للقناة 12 الإسرائيلية- أن “الحرب لا تكسب فقط في ميدان المعركة، فالميدان هو الجزء الأول منها، لكن الجزء الأساسي هو نهايتها”، مشيرا إلى أن حركة حماس “احتفظت بقوتها، وأن ما يجري الآن يؤكد وجودها في كل مكان وسيطرتها على القطاع رغم الحرب الطويلة”.
وكانت قوات الاحتلال تستهدف تدمير غزة ومقاومتها وزيادة المعاناة الإنسانية كجزء لا يتجزأ من جريمة الإبادة الجماعية، وأيضا إشاعة الفوضى لإخضاع الفلسطينيين لظروف معيشية تهدف إلى تدميرهم كليا أو جزئيا، لتبقى بلا إدارة حاكمة أو تنظيمية.
ويأتي كلام باردو في معرض سجال واسع في إسرائيل عن جدوى الحرب التي خاضها نتنياهو وجيش الاحتلال طوال أكثر من 14 شهرا، خصوصا بعد أن ظهر عناصر المقاومة مستعدين وواثقين في الساعات الأولى من سريان الاتفاق كما في اليوم الأول من الحرب، وانتشرت الشرطة لأداء مهامها مجددا في القطاع، وتم تسليم الأسيرات الثلاث في ساحة السرايا برمزيتها في قلب مدينة غزة.
من جانبه، علق رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقا الجنرال المتقاعد غيورا آيلاند على اتفاق وقف إطلاق النار بقوله “هذه الحرب هي فشل إسرائيلي مدوٍّ في غزة.. حماس انتصرت بالتأكيد”. وأضاف آيلاند -وهو أيضا صاحب “خطة الجنرالات”- أن “السبب بسيط جدا، حماس لم تستطع فقط منع إسرائيل من تحقيق أهدافها، بل أيضا حققت أهدافها، وأهمها البقاء في الحكم”.
ورأى الجنرال المتقاعد أن الاتفاق لا يمنع حماس من إعادة بناء قدراتها، ويمكنها ذلك -وفق تقديره- وإذا قامت إسرائيل بالعمل ضدها، فإنها هي التي ستخل بالاتفاق.
من جهته، يشير المراسل تسفي يحزقيلي لصحيفة معاريف الإسرائيلية إلى أن نحو 15 شهرا من القتال فشلت فيها إسرائيل بتغيير معادلات الحرب في غزة، قائلا: “ماذا فعلنا هنا خلال عام و5 أشهر؟ دمرنا العديد من المنازل، وقدمنا خيرة أبنائنا، وفي النهاية النتيجة هي الصيغ نفسها. حماس فرحة، المساعدات تدخل، والنخبة تعود”، في إشارة إلى ظهور نخبة من كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس.
وبخلاف التدمير الممنهج للقطاع وارتكاب المجازر الوحشية، التي لا تُكسب المعارك، تشير التحليلات الإسرائيلية -في معظمها- إلى حالة من الإحباط، مردها أن الجيش الإسرائيلي تكبد هزيمة عسكرية وسياسية وأخلاقية في غزة، في حين لم يحقق أيا من أهدافه المعلنة في الحرب، التي وضع نتنياهو وحكومته اليمينية سقوفها العالية.
ويظهر الإحباط الإسرائيلي أيضا في تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي غدعون ساعر بعيد بدء تطبيق الاتفاق الأحد، “طوال شهور لم نتمكن من إعادة محتجز واحد حيا لذلك مسؤوليتنا ثقيلة كحكومة”.
وارتبطت هذه الحرب العدوانية بمجازر غير مسبوقة في غزة، جعلت إسرائيل أكثر عزلة وقادتها العسكريين والسياسيين وجندها ملاحقين، وهو ما يشير إليه الكاتب اليساري جدعون ليفي بصحيفة هآرتس (19 يناير/كانون الثاني) بقوله: “الحرب الوحيدة التي تشبهها كانت حرب 1948 التي تسببت في النكبة، أما هذه فهي حرب لإقامة دولة فاشية”.