عالجت الصحف الإسرائيلية اليوم الأول من وقف إطلاق النار وتبادل الدفعة الأولى من الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، وركزت على الدلالات السياسية والعملية لمشاهد عملية تسليم كتائب الشهيد عز الدين القسام ثلاث أسيرات إسرائيليات إلى الصليب الأحمر، مقابل إفراج إسرائيل عن 90 أسيرا فلسطينيا.

ونشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” مقالا لمحللها العسكري البارز رون بن يشاي، أكد فيه على حقيقة قال إن الحكومة الإسرائيلية تتجاهلها، وهي أن “حماس ليست هيئة دينية متعصبة وخارجية فرضت نفسها على السكان، بل هي تعبير تنظيمي حقيقي عن رغبات غالبية سكان غزة الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة”، وعلق على ذلك قائلا “في الثقافة والتطلعات والأيديولوجية، فإن حماس هي غزة وغزة هي حماس”.

وانتقد الحكومة اليمينية المتشددة التي يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي تسوق مصطلحات مثل “إسقاط حماس” و”النصر الكامل”، وقال إن هذه عبارات غامضة في عالم الأدب والشعر، وليست مطالب تضعها حكومة مسؤولة على ما أسماه بـ”عدو أيديولوجي قاس”.

وطالب بدلا من ذلك بصياغة متطلبات وقف الحرب بشكل عملي وواضح.

وعبّر المحلل العسكري عن موقفه بالقول “لن تتمكن إسرائيل من القتل وربما لن تنجح في طرد آخر عضو في حماس وكبار مسؤوليها، لكن يمكنها أن تطالب بتجريد قطاع غزة من جميع البنية التحتية للإرهاب، بما في ذلك الأنفاق والقاذفات وقذائف الهاون والعبوات الناسفة. إذا لم يتم العثور على هيئة دولية لتطبيقها، فسيتعين على الجيش الإسرائيلي القيام بذلك بنفسه، حتى لو استغرق الأمر أكثر من عام”.

وأضاف “المطلب العملي الثاني هو ألا تكون حماس في السلطة في غزة”. وفي هذا الصدد، يرى المحلل العسكري أن إسرائيل لن تضطر إلى بذل الكثير من الجهد لأن حماس أعلنت عدة مرات أنها لا تريد السيطرة المدنية على قطاع غزة، بل البقاء هناك كعنصر سياسي مسلح مثل حزب الله، والعمل دون عبء تلبية احتياجات السكان وتخفيف معاناتهم، ولكن الاستمرار كهيئة مقاومة مسلحة.

وقال بن يشاي إن على إسرائيل أن ترحب بتخلي حماس عن السلطة، ولكن يجب عليها أن تعارض أي شكل من أشكال التسلح الذي تريد حماس امتلاكه.

ويرى أن مطلبا تخلي حماس عن السيطرة المادية المدنية ونزع السلاح من قطاع غزة سيكونان مقبولين لدى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمجتمع الدولي.

ولكن الكاتب ينتقل بعد ذلك إلى تقديم مطلب غريب للوسطاء وللصليب الأحمر، وهو إلزام حماس بعدم إطلاق سراح الرهائن التاليين وسط حشد هائج من الناس، مما يشكل خطرا على حياة الأسرى الإسرائيليين، حسب زعمه.

ويفصح بشكل واضح عن السبب في هذا الطلب، وهو انزعاجه من أن “حماس استغلت إطلاق سراح الثلاثة فرصة للقيام باستعراض للقوة”.

حماس: إهمال العدو أسرانا جسد الفارق بين قيم المقاومة وهمجية الاحتلال

هزيمة سياسية لإسرائيل

أما المحلل السياسي للصحيفة ذاتها آفي يسسخاروف، فقد وصف ما جرى بأنه هزيمة سياسية، ولكنه أرجع سببها إلى حكومة نتنياهو التي قال إنها قررت بوعي إدامة نظام حماس في غزة، على حد تعبيره.

وقال إن “حالة الأسيرات الثلاث التي تم الإفراج عنهن، وهن ينقلن إلى سيارات الصليب الأحمر في قلب غزة، محاطات بآلاف الفلسطينيين، بينهم مئات مسلحين بعصابات رأس خضراء.. تسلط الضوء على حجم الهزيمة السياسية لبلد وحكومة اختارا بوعي إدامة حكم حماس في غزة، حيث ظلت حماس قائمة بعد 15 شهرا من الحرب”.

وأضاف “على الرغم من أن الحكومة برئاسة نتنياهو أعلنت أنها ستعمل على القضاء الشامل على حماس بمجرد بدء الحرب، فإن المنظمة لم تنجو عسكريا فحسب، بل بقي حكمها سليما”.

واعتبر يسسخاروف أن السبب في ذلك يعود إلى حد كبير إلى الحكومة الإسرائيلية التي رفضت لعدة أشهر إجراء نقاش معمق حول إنشاء بديل حاكم عن حماس، رغم حقيقة أن عددا لا يحصى من المسؤولين والمعلقين والخبراء الأمنيين حذروا من أنه يجب القيام بذلك، وإلا فإن هذه الحرب بأكملها ستذهب سدى.

وقال إن نتنياهو رفض هذا المطلب لأن ذلك سيؤدي في النهاية إلى حكومة بديلة في قطاع غزة مع السلطة الفلسطينية وحركة فتح.

وأضاف “رفض نتنياهو القيام بذلك بسبب اعتبارات سياسية وخوفه الشديد من الثنائي بن غفير وسموتريتش، متعذرا بأن السلطة الفلسطينية سيئة مثل حماس”، وزعم أنه “في الأشهر العديدة التي انقضت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول (الماضي)، أمكن تمهيد الطريق لدخول السلطة الفلسطينية إلى غزة برفقة قوات عربية أخرى، بحيث تكون بديلا لحماس، حتى لو شكل ذلك تهديدا سياسيا، إلا أن الحكومة منعت أي نقاش أو إمكانية للتعاون مع السلطة الفلسطينية لاعتبارات سياسية”.

يذكر أن دولا عربية أنكرت أن تكون وافقت على أن يكون لها أي دور في قطاع غزة ما لم يتم إيقاف الحرب عليه.

وأشار المحلل السياسي إلى أن السلطة الفلسطينية تعمل في الضفة الغربية ضد حماس والجهاد الإسلامي، بما في ذلك في مخيم جنين للاجئين، حتى لو لم يكن بنجاح كبير.

وقال محاججا حكومة نتنياهو “إذا كانت السلطة الفلسطينية بالفعل سيئة مثل حماس، كما ادعى بعض وزراء الحكومة الحالية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تسمح الحكومة اليمينية الكاملة لها بالاستمرار في الوجود بل وتساعدها اقتصاديا وأمنيا؟ لماذا لا يعمل نتنياهو، الذي شغل منصب رئيس الوزراء بشكل شبه مستمر منذ عام 2009، على القضاء على السلطة الفلسطينية أو تفكيكها، إذا كانت كيانا خطيرا؟ ولماذا ترى قوات الأمن الإسرائيلية والجيش والشاباك في السلطة الفلسطينية وأجهزتها شريكا جديرا يساعد في إحباط الإرهاب؟”.

وختم بالقول “على الجانب الآخر من الحدود، ستستمر حماس في الحكم وبناء الأنفاق وتجنيد المزيد من الأشخاص، دون بديل محلي”.

استعراض القوة

وفي مقال آخر، اعترف المحلل العسكري البارز في صحيفة “هآرتس” عاموس هرئيل بأن حماس نجحت في تقديم استعراض للقوة في قطاع غزة، وقال “قدمت المنظمة من خلال مئات المسلحين عرضا للقوة العسكرية وعلامات الحكم المدني، وقد شوهدت قوافل المسلحين في البداية في جنوب قطاع غزة، حيث احتشد أعضاء حماس في شاحنات صغيرة من طراز تويوتا، من النوع الذي اشتهر يوم 7 أكتوبر، وأطلقوا النار في الهواء كعلامة على الفرح”، وأضاف “تستثمر حماس جهودا كبيرة في تأسيس رواية للنصر في أعين سكان غزة، على الرغم من كل المعاناة التي عانت منها خلال الأشهر الـ15 الماضية”.

وتحدث هرئيل عما قدمته إسرائيل في اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وقال “في غضون ذلك، بدأت تفاصيل التنازلات الكاملة التي قدمتها إسرائيل في الصفقة تتضح. الإفراج الجماعي عن السجناء يثير ردود فعل شعبية قاسية، ليس بسبب عددهم الكبير فقط، بل بسبب هوية بعض المفرج عنهم كمقاتلين شاركوا في هجمات قتل فيها العديد من الإسرائيليين في التسعينيات وخلال الانتفاضة الثانية”.

وأضاف “كل من كلف نفسه بمتابعة الوضع في قطاع غزة، ولم ينخدع بتصريحات نتنياهو، كان بإمكانه أن يخمن منذ مدة طويلة أن هذه ستكون نتيجة الحرب”.

وخلص إلى القول إن “إسرائيل خسرت الحرب إلى حد كبير يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكل ما فعلته منذ ذلك الحين كان محاولة لتقليل بعض الأضرار. ومن أجل إبرام صفقة لإطلاق سراح جميع الرهائن، تطلب الأمر تنازلات كبيرة، حيث سيشمل الجزء الثاني من الصفقة سجناء أكثر قتلا من أولئك الذين تم إطلاق سراحهم في الجزء الأول”.

ومضى يشرح نتائج هذه التنازلات التي تشمل عودة سكان شمال غزة الجماعية، قائلا “بمجرد الانسحاب من محور نتساريم، سيبدأ تدفق جماعي من أكثر من مليون شخص إلى شمال غزة، وبعد ذلك، حتى لو انهار الاتفاق في الأسابيع الستة المقبلة، سيجد الجيش الإسرائيلي صعوبة في القتال مرة أخرى”.

وألقى المحلل العسكري باللوم على نتنياهو في هذه التنازلات لأنه رفض مناقشة أي حل يتناول اليوم التالي لحماس في قطاع غزة، وخاصة أي تدخل للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة، مشيرا إلى أنه من المحتمل أن تؤدي خطط ترامب، التي هي جزء من صفقة أميركية سعودية إسرائيلية، إلى محاولة لإجبار نتنياهو على ترتيب آخر.

وأضاف “النقاش حول العودة إلى الحرب، الذي يمكن أن يحدث في نهاية المرحلة الأولى من الاتفاق، هو حاليا نظري إلى حد كبير لأن مفتاح ذلك في يد ترامب”، وقال إن “الوعود العديدة التي قطعها نتنياهو للوزير بتسلئيل سموتريتش، من أجل ضمان بقاء فصيل الصهيونية الدينية في الحكومة حتى نهاية المرحلة الأولى، ستتعارض لاحقا مع مطالب ترامب”.

وختم قائلا “إذا أصر الرئيس الأميركي على أن الحرب في قطاع غزة يجب أن تنتهي، فسيجد نتنياهو صعوبة في عصيانه”.

حماس لم تفقد قط السيطرة

أما الكاتب سيث جيه فرانتزمان فقال في مقاله بصحيفة جيروزاليم بوست إن “حماس تخرج من الأنفاق والأنقاض في غزة لتثبت أنها لم تفقد السيطرة على معظم المنطقة، رغم 15 شهرا من الحرب، حيث تمكنت من تجنيد أعضاء جدد، بل إنها أبقت الشاحنات والسيارات جاهزة للعودة إلى الشوارع وإظهار وجودها”!

وسلط الكاتب الضوء على مقاطع الفيديو التي تظهر مقاتلي حماس وهم يتجولون في شاحنات صغيرة بيضاء، ويلوحون للحشود أو يقفون ويجلسون على مركبات تجوب بهم الشوارع، فضلا عن عودة شرطة حماس إلى الظهور.

وعلق على ذلك قائلا “غالبا ما تكون مقاطع الفيديو هذه مخصصة للدعاية في بعض الحالات، ولكن الرسالة العامة واضحة، فقد خرجت حماس من الأنفاق في غزة ومن بين الأنقاض في بعض المناطق، وهي تسيطر بوضوح على الأمور، ولم تختف قط الجماعة ولم يتم تفكيكها قط”.

وأضاف “في مارس/آذار 2024، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن جيش الدفاع الإسرائيلي يقول إنه “فكك” 20 من أصل 24 كتيبة لحماس، والواقع أن التفكيك لا يعني التدمير، فقد عادت حماس إلى الظهور بسرعة. وهذه ليست جماعة يبدو أنها تكبدت خسائر فادحة كما صورها البعض، أو أنها كانت قادرة على تعويض معظم الخسائر والحفاظ على القيادة والسيطرة”.

ومضى الكاتب في تفكيك رواية الجيش الإسرائيلي بأنه يتمتع بسجل مثير للإعجاب في ضرب أنفاق حماس، حيث ذكر أحد التقارير أن إسرائيل دمرت شبكة أنفاق حماس تحت الأرض، كما ذكر تقرير آخر من صحيفة إسرائيل اليوم أن إسرائيل دمرت 100 كيلومتر من أنفاق حماس وقضت على 25 من القادة.

وقال “في الواقع خرجت حماس سالمة من هذا الصراع، إن حماس تنطلق بسرعة في غزة لتفرض سيطرتها وتستعرض قدراتها، وهي تريد أن تصور ذلك على أنه انتصار كبير، حتى وإن تكبدت خسائر كثيرة. وهي لا تريد أن ينشأ أي فراغ أو أي مناطق تفقد فيها السيطرة، ومع انسحاب القوات الإسرائيلية، تريد حماس الدخول بسرعة، فهي لا تريد أن يتصور أحد في غزة أن حماس ضعيفة أو أن يكون لديها مجال لانتقادها، وسوف تعمل على حشد الجماهير للخروج والهتاف، ثم تحاول استغلال هذا”.

وأضاف أن “حماس سوف ترغب في البدء في معالجة مسألة إعادة الإعمار ودعوة وسائل الإعلام إلى محاولة إبراز حجم الدمار الذي خلفته هذه العملية، وسوف تتولى آلة حماس الإعلامية تنسيق كل خطوة على الطريق، ذلك بأنها تتمتع بسيطرة مذهلة على كل جانب من جوانب غزة، من وسائل الإعلام المحلية إلى المستشفيات والمدارس، وسوف تعمل على حشد كل هذا لتصويره على أنه انتصار للحركة”.

ووصف الكاتب ذلك بالقول “إن التاريخ يعيد نفسه، فهذا ليس مفاجئا؛ فقد فعلت حماس الشيء نفسه بعد جولات أخرى من القتال، حيث نشأت حماس في أواخر الثمانينيات، وخاصة في غزة، واستمرت في اكتساب الدعم في التسعينيات، حيث عارضت اتفاق أوسلو للسلام. وبعد الانتفاضة الثانية، خرجت أقوى، رغم خسارتها العديد من قادتها بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية”.

وختم بالقول “سيطرت حماس على قطاع غزة في عام 2007 بعد فوزها في الانتخابات الفلسطينية. واستمرت في الظهور بعد حربي 2009 و2014. وفي مايو/أيار 2021، أظهر صراع قصير مع إسرائيل مرة أخرى كيف أن إسرائيل غالبًا ما تقلل من شأن حماس”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version