بدأت أمس الثلاثاء فعاليات القمة السنوية لمجموعة بريكس بمدينة قازان عاصمة جمهورية تترستان في روسيا وسط تطلعات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المجموعة بما يحميها من التحديات التي تواجهها وسط انفتاح على زيادة عدد دول التكتل الذي أصبح 10 خلال العام الجاري، بعد انضمام 5 دول هي السعودية ومصر والإمارات وإيران وإثيوبيا.

وتركز القمة على قضايا الأمن الغذائي والطاقة، مع إيلاء اهتمام خاص للشرق الأوسط، وتنعقد هذا العام تحت عنوان رئيسي هو “بريكس والجنوب العالمي لبناء عالم أفضل بشكل مشترك”.

وتشارك في الاجتماعات 36 دولة، بينها 22 على أعلى مستوى وقيادات 6 منظمات دولية، يناقشون قضايا التفاعل بين دول الأغلبية العالمية، في حل الأزمات الملحة، بما في ذلك تحسين بنية العلاقات الدولية، وضمان التنمية المستدامة للأمن الغذائي والطاقة، بالإضافة إلى الوضع المتفاقم في الشرق الأوسط.

والقمة -التي انطلقت أمس وتستمر 3 أيام- تُعد أكبر تجمع لزعماء العالم في روسيا منذ عقود، وتعقد في وقت تخوض فيه موسكو حربا مع أوكرانيا المدعومة من الغرب. فما جدول أعمال القمة؟ ولماذا تكتسي أهمية خاصة؟

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (يمين) لدى وصوله إلى قازان للمشاركة في القمة (الأناضول)

ما بريكس؟

مجموعة بريكس هي تجمع يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. بدأت المجموعة في عام 2006، واجتمعت البرازيل وروسيا والهند والصين في قمة بريكس الأولى في عام 2009. وانضمت إليها جنوب أفريقيا بعد عام.

هدف التحالف هو تحدي الاحتكار الاقتصادي والسياسي الغربي، وتحدد المجموعة أولوياتها وتجري مناقشات خلال قمتها السنوية التي يتناوب الأعضاء على استضافتها. وهذه القمة هي الـ16.

وفي عام 2023، وجهت البريكس الدعوات لتشمل مصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أن تقدمت هذه الدول بطلب لنيل عضوية المجموعة. مع الإشارة إلى أن السعودية لم تنضم رسميا بعد، لكن الدول الأخرى انضمت إليها.

وفي الوقت نفسه، تم توجيه دعوة إلى الأرجنتين، لكن الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية رفضتها بعد أن قام الرئيس خافيير ميلي، الذي انتخب في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بحملته الانتخابية على أساس وعد بتعزيز العلاقات مع الغرب.

40 دولة تسعى للانضمام لها.. مجموعة بريكس ماذا تعرف عنها؟ وما أهدافها؟

من حضر القمة؟

حضر 24 من زعماء العالم افتتاح القمة أمس الثلاثاء، بينهم زعماء الدول الأعضاء في مجموعة البريكس وهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، والرئيس الصيني شي جين بينغ، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا. كما وصل إلى قازان لحضور القمة رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

ويشارك أيضا في القمة زعماء العديد من الدول الأخرى التي أبدت اهتماما بتعميق العلاقات مع مجموعة البريكس، بمن فيهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه تشينه. وألغى الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا رحلته إلى روسيا بعد تعرضه لإصابة في الرأس إثر سقوطه بمنزله في 19 أكتوبر/تشرين الأول. وسيمثل البرازيل في القمة وزير الخارجية ماورو فييرا.

ويحضر أيضا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومن المتوقع أن يلتقي بوتين يوم الخميس. ويوم الاثنين، انتقدت وزارة الخارجية الأوكرانية غوتيريش، قائلة إنه بينما لم يقبل دعوة لحضور قمة السلام التي تدعمها أوكرانيا في سويسرا في يونيو/حزيران، لكنه الآن “قبل دعوة قازان من مجرم الحرب بوتين”. واعتبرت مشاركة الأمين العام للأمم المتحدة خيارا خاطئا ولا يخدم قضية السلام، ويضر بسمعة الأمم المتحدة.

وفي مارس/آذار 2023، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرة اعتقال بحق بوتين، متهمة إياه بارتكاب جريمة حرب تتمثل في ترحيل الأطفال بشكل غير قانوني من أوكرانيا.

ماذا يتضمن جدول أعمال القمة؟

الموضوع الرئيسي الذي يوحد أعضاء مجموعة البريكس هو خيبة أملهم في مؤسسات الحوكمة العالمية التي يقودها الغرب، وخاصة الاقتصادية منها حيث أثارت العقوبات المفروضة على روسيا بعد حربها على أوكرانيا عام 2022 ذعر العديد من دول الجنوب العالمي، التي شعرت بالقلق من أن الغرب قد يستخدم أدوات التمويل العالمي كسلاح ضدها.

وفي أعقاب الحرب الإسرائيلية على غزة والمساعدة الأميركية بالسلاح، استغلت روسيا والصين هذه المشاعر المعادية للغرب بشكل أكثر فعالية، مستفيدة من الإحباطات الناجمة عن المعايير الغربية المزدوجة وكذلك استخدام العقوبات والإكراه الاقتصادي.

وقالت الخبيرة التركية في السياسة الخارجية أسلي أيدينتاسباس، في تصريحات لمعهد بروكينغز، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة، إن “هذا لا يعني أن القوى المتوسطة تريد مقايضة الهيمنة الأميركية بالصين، لكنه يعني أنها منفتحة على التحالف مع روسيا والصين من أجل عالم أكثر تنوعا واستقلالا”.

ولتحقيق هذه الغاية، يريد شركاء البريكس تقليل اعتمادهم على الدولار ونظام “سويفت”، وهي شبكة مراسلة دولية للخدمات المالية، قطعت عن البنوك الروسية في عام 2022 بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.

وفي عام 2023، اقترح الرئيس البرازيلي عملة موحدة للتداول بين أعضاء البريكس، لكن الخبراء حذروا من أن أي مبادرة من هذا القبيل قد تكون مليئة بالتحديات. وفي أغسطس/آب، أعرب وزير الشؤون الخارجية الهندي إس جايشانكار أيضا عن شكوكه حول مدى واقعية عملة البريكس.

وبدلا من ذلك، يعمل أعضاء مجموعة البريكس الآن على استخدام عملاتهم الوطنية بشكل أكبر في التجارة الثنائية لعزلهم عن تقلبات العملة وتقليل اعتمادهم على الدولار.

وفي هذا تقول أيدينتاسباس “لدى الصين الآن بديل لنظام الدفع سويفت، على الرغم من محدودية الاستخدام، وتقوم دول مثل تركيا والبرازيل بإعادة هيكلة احتياطياتها من الدولار بشكل متزايد وتحويلها إلى ذهب. إن مقايضة العملات بصفقات الطاقة تعد أيضا فكرة شائعة، وكلها تشير إلى الرغبة في تحقيق قدر أكبر من الاستقلال المالي عن الغرب”.

لماذا تعتبر القمة مهمة لبوتين؟

منذ أن شنت روسيا حربا واسعة النطاق على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، واجهت البلاد هي وزعيمها عزلة من الغرب. وبعد شهر من بدء الحرب، كشفت كندا والاتحاد الأوروبي واليابان ونيوزيلندا وتايوان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة عن سلسلة من العقوبات على البنوك الروسية ومصافي النفط والصادرات العسكرية. وفرضت المزيد من العقوبات على روسيا وحلفائها منذ ذلك الحين.

كما أن مذكرة الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين تعني أنه لا يستطيع السفر إلى البلدان الموقعة على نظام روما الأساسي، وهي معاهدة للأمم المتحدة أنشأت المحكمة، دون المخاطرة بالاعتقال.

وفي عام 2023، غاب عن قمة البريكس في جنوب أفريقيا، وهي طرف في المعاهدة، وسط ضغوط على بريتوريا لاحتجاز الزعيم الروسي إذا حضر.

كما أن الزعماء الغربيين غير راغبين إلى حد كبير في الانضمام إلى بوتين في أي إطار متعدد الأطراف.

وغاب بوتين عن قمة مجموعة الـ20 في الهند العام الماضي، على الرغم من أن نيودلهي ليست طرفا في نظام روما الأساسي.

وعلى هذه الخلفية، يأمل بوتين في تحقيق فوز كبير في العلاقات العامة ضد أوكرانيا والغرب، في محاولة لإرسال رسالة مفادها أنه على الرغم من الحرب والعقوبات الغربية، لا تزال روسيا تتمتع بقدرة كبيرة على الصمود.

قال تيموثي آش، الزميل المشارك في برنامج روسيا وأوراسيا في تشاتام هاوس، للجزيرة “هناك الكثير من الشركاء الدوليين المستعدين للتفاعل مع روسيا”. ويتفق مع هذا الطرح خبراء آخرون.

وقالت أنجيلا ستينت، مديرة مركز الدراسات الأوراسية والروسية وأوروبا الشرقية في جامعة جورج تاون، في تصريحات لمعهد بروكينغز “إن قمة قازان لها أهمية رمزية وعملية كبيرة لنظام بوتين. وسوف تثبت القمة أن روسيا، بعيدا عن كونها معزولة، لديها شركاء مهمون مثل الهند والصين وغيرها من القوى الناشئة الكبرى”.

وتمثل مجموعة البريكس الموسعة الآن نحو 45% من سكان العالم و25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ما الذي يحاول بوتين الإشارة إليه أيضا؟

إن رسالة التحدي التي يوجهها بوتين للغرب، والتي أظهرتها صور زعماء العالم معه في قمة البريكس، تتعلق أيضا بالمواقف من المفاوضات بشأن حربه في أوكرانيا، في وقت تتزايد فيه الدعوات لإجراء محادثات لإنهاء الحرب.

والهند، وهي عضو رئيسي في مجموعة البريكس وشريك روسي موثوق به تقليديا، تعمل بنشاط مع كل من موسكو وكييف لتقريبهما من الحوار. وزار رئيس الوزراء الهندي، موسكو في يوليو/تموز لدفع بوتين نحو المفاوضات، ثم سافر إلى كييف في أغسطس/ آب.

كما التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرة أخرى في نيويورك على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن يعود إلى روسيا لحضور قمة قازان الحالية.

وقال آش “أعتقد أن موسكو حريصة على الإشارة إلى أنها مستعدة لحرب طويلة، ولكن في الواقع، أعتقد أن كل هذا يمهد الطريق لمحادثات السلام المحتملة التي ستعقد عاجلا وليس آجلا”.

ما خطوة مجموعة بريكس التالية؟

تستمر مجموعة البريكس في التوسع. وقد أعربت دول جنوب شرق آسيا مؤخرا عن اهتمامها بالانضمام إلى التحالف. وفي حوار البريكس مع الدول النامية الذي عقد بروسيا في 11 يونيو/حزيران الماضي، قالت تايلاند إنها ترغب في الانضمام.

وفي 18 يونيو/حزيران أيضا، أعربت ماليزيا عن اهتمامها في أن تكون جزءا من مجموعة البريكس قبل زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى كوالالمبور.

كما طلبت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، رسميا الانضمام إلى التكتل في سبتمبر/أيلول الماضي.

وقالت تارا فارما، الزميلة الزائرة في معهد بروكينغز، إن “استعداد العديد من الدول للذهاب إلى روسيا، التي كانت حتى وقت قريب دولة منبوذة لانتهاكها القانون الدولي بحربها على أوكرانيا، يؤكد الاتجاه الذي يتبعه عدد متزايد من البلدان بالعالم في اختيار الشركاء”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version