أصدر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبيري” في ديسمبر/ كانون الأول الحالي قائمته الجديدة لأفضل 100 شركة لإنتاج الأسلحة وتقديم الخدمات العسكرية في العالم عن عام 2022.

وورد في القائمة 3 شركات إسرائيلية، واحتلت شركة “إلبيت سيستمز” المركز 24، وشركة الصناعات الجوية المركز 35، بينما حازت شركة رفائيل المركز 42، أي أن الشركات الثلاثة جاءت ضمن أبرز 50 شركة عالميا.

كذلك كشف تقرير آخر للمعهد أن إسرائيل احتلت المركز العاشر ضمن قائمة أكبر مصدري الأسلحة خلال الفترة الممتدة من عام 2018 إلى 2022، بنسبة 2.3% من إجمالي مبيعات الأسلحة عالميا، وجاءت الهند في مقدمة مستوردي الأسلحة الإسرائيلية بنسبة 37%، وتلتها أذربيجان بنسبة 9.1%.

وهو ما يوضح وجود إسرائيل ضمن مركز متقدم في شبكة تجارة الأسلحة العالمية بعد الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا.

كيف حدث التحول؟

اعتمدت إسرائيل خلال أول عقدين من تأسيسها على التسليح من فرنسا التي كانت ترغب آنذاك في بناء توازن إقليمي مع مصر ردا على دعمها للنضال الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي.

ومع تراجع هذا التقارب المصلحي، فرض الرئيس الفرنسي شارل ديغول حظرا على مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل في عام 1967.

وعقب ذلك وجهت تل أبيب 46% من إجمالي استثماراتها المخصصة للبحث والتطوير إلى قطاع صناعة الأسلحة المحلي بهدف تلبية احتياجات جيشها، والتقليل من الاعتماد على مصادر التسليح الأجنبية التي ترتبط بقيود سياسية، فضلا عن السعي لتحقيق أهداف جانبية مثل تحفيز النمو الاقتصادي، وتطوير الابتكار التكنولوجي لاستخدامه في القطاع المدني، وإيجاد فرص عمل للعلماء والمهندسين الذين هاجروا إلى إسرائيل من الدول الصناعية الغربية.

الولايات المتحدة على الخط

ومع بدء تقديم الولايات المتحدة لمساعدات عسكرية لإسرائيل منذ عام 1973 حدثت طفرة في قطاع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، حيث سمحت واشنطن لإسرائيل بتحويل جزء من المساعدات إلى الشيكل بهدف شراء الأسلحة من الشركات الإسرائيلية، مما زاد من حجم الطلب المحلي.

ونظرا لأن جدوى الإنتاج تعتمد على وفورات الحجم، ولأن شركات الأسلحة الإسرائيلية تخدم سوقا محليا صغيرا مقارنة بنظيرتها في الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والدول الغربية، فقد بحثت إسرائيل عن أسواق خارجية تتيح التوسع في التصدير مما يسمح بإنتاج الأسلحة بسعر اقتصادي.

وقد عمل ضباط متقاعدون من الجيش والاستخبارات على تأسيس شركات خاصة، والترويج لصادرات الأسلحة الإسرائيلية في الخارج، وبالأخص لدول أميركا اللاتينية، التي استحوذت بحلول عام 1980 على 60% من صادرات الأسلحة الإسرائيلية.

ثم دخلت الهند على الخط مع تنامي العلاقات بين البلدين، وصولا لتدشين علاقات رسمية بينهما في عام 1992، وكذلك أذربيجان التي استقلت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، واحتاجت لأسلحة نوعية بشكل سريع في ظل حروبها المتكررة مع أرمينيا، وبالتالي انتقل توجه صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى قارة آسيا.

حدثت قفزة أخرى مع بدء تحديد واشنطن منذ عام 1999 حجم مساعداتها السنوية لإسرائيل مسبقا ضمن “مذكرة تفاهم” مدة كل منها 10 سنوات، وتتجدد دوريا، مما أتاح للجيش الإسرائيلي وضع خطط طويلة المدى للتسلح، ليكفل للشركات الإسرائيلية تمويلا مستقرا لبرامج تصنيع الأسلحة.

وبحلول عام 2014 أصبحت إسرائيل أكبر مُصدر للطائرات المسيرة في العالم بحصة من السوق العالمي بلغت آنذاك 60%، كما أصبحت من الدول الرائدة في مجال الأسلحة الدقيقة، والحرب الإلكترونية، وأنظمة القيادة والسيطرة، وأنظمة المراقبة والاستطلاع، فضلا عن تصنيعها دبابات ميركافا، والمركبات القتالية المدرعة من طراز نمر، وأنظمة الدفاع الجوي والصاروخي مثل القبة الحديدية ومقلاع داود والسهم.

حجم شركات الأسلحة الإسرائيلية

توجد في إسرائيل حاليا وفق كتاب “صناعة الدفاع الإسرائيلية والمساعدات الأمنية الأميركية” الصادر عن معهد الدراسات القومي الإسرائيلي في عام 2020، نحو 600 شركة تعمل في منظومة إنتاج الأسلحة.

ويعمل بها أكثر من 45 ألف شخص، بمتوسط مبيعات يبلغ سنويا 10 مليار دولار، وتصدر 70% من إنتاجها للخارج، وهو رقم ضخم عند مقارنته بنظيرتها الأميركية التي تصدر نحو 24% من إنتاجها، ونظيرتها الروسية التي تصدر 55% من إجمالي مبيعاتها.

نظرا لأن شركات الأسلحة الإسرائيلية الكبيرة مملوكة بالكامل أو جزئيًا للحكومة مثل شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة رافائيل لأنظمة الأسلحة المتقدمة، فقد ساعدت تلك الشركات تل أبيب في بناء علاقات دولية أكثر اتساعا، فبيع الأسلحة لا يقتصر على تسليم العتاد، إنما يفتح الباب لعلاقات وطيدة بين البائع والمشتري فيما يتعلق بعمليات التدريب على التشغيل، والصيانة والإمداد بقطع الغيار.

وبما أن قدرة الدول على تصدير الأسلحة ترتبط بإثبات تلك الأسلحة لفاعليتها الميدانية حال تجربتها في عمليات قتالية حقيقية، وبالتالي فإن صادرات الأسلحة الإسرائيلية تعتمد على سمعة وأداء الجيش الإسرائيلي.

وهو ما دفع ألمانيا بعد اندلاع حرب أوكرانيا إلى طلب شراء منظومة أرو-3 للدفاع الصاروخي من تل أبيب في ظل نجاح أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية في التصدي لنسبة كبيرة من الصواريخ المنطلقة تجاه إسرائيل.

ووقع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على الصفقة بقيمة 3.5 مليارات دولار خلال زيارته للعاصمة برلين في سبتمبر/أيلول الماضي.

تأثيرات محتملة لطوفان الأقصى

في ظل انهيار خط الدفاع الإسرائيلي مع قطاع غزة يوم نفذت كتائب القسام عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وفشل أنظمة المراقبة والحماية في منع اقتحام الجدار العازل، وتعرض دبابة الميركافا فخر الصناعة العسكرية الإسرائيلية للتدمير والإعطاب بقواذف محلية الصنع خلال العملية البرية، وتلقي العربة المدرعة نمر التي يبلغ ثمنها نحو 3 ملايين دولار ضربة موجعة بعد تدمير إحداها بصاروخ كورنيت ليُقتل جميع ركابها.

ورغم سمعتها بأنها توفر الحماية لركابها ضد الصواريخ المضادة للدبابات بواسطة نظام حماية نشط، فضلا عن تدريعها القوي، قد أضر بصورة تلك النوعية من الأسلحة، ويشكك في مدى فاعليتها.

وبدأت تداعيات هذا مبكرا، فبحسب موقع أنتليجنس أونلاين، فقد شرعت كوريا الجنوبية في مراجعة مدى فاعلية نظام المراقبة والحماية الذي اشترته من شركة إلبيت سيستمز الإسرائيلية لرصد المنطقة العازلة مع كوريا الشمالية، وذلك بعد فشله في حماية الجدار العازل مع غزة، وذلك في ظل التخوف من شن كوريا الشمالية لهجوم شبيه يعطل فعالية النظام.

كما لجأت تل أبيب إلى وقف جميع مبيعات المعدات العسكرية والأمنية والخدمات المرتبطة بها إلى كولومبيا بعد تصريح الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو بأن “الإرهاب يقتل أطفالًا أبرياء في فلسطين”، حيث تشتري كولومبيا طائرات مسيرة وتقنيات مراقبة وتجسس إلكتروني من إسرائيل.

ونظرا لأن مبيعات الأسلحة تُنفذ وفق عقود يستغرق الاتفاق عليها وتنفيذها عدة سنوات، فإن انعكاسات أداء الأسلحة الإسرائيلية في غزة على المبيعات يرجح أن تظهر تباعا خلال الأعوام القادمة، وبالتحديد مبيعات الأسلحة التي يثبت إخفاقها وفشلها في تحقيق الميزات المروجة عنها مثل مدرعة نمر ودبابة الميركافا، فضلا عن أنظمة المراقبة الإسرائيلية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version